ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن [ ص: 337 ] متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا
[ ص: 337 ] يحشرهم : فيقول كلاهما بالنون والياء ، وقرئ : "يحشرهم " ، بكسر الشين وما يعبدون يريد : المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير . وعن : الأصنام ينطقها الله . ويجوز أن يكون عاما لهم جميعا . فإن قلت : كيف صح استعمال " ما" في العقلاء ؟ قلت : هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم ، بدليل قولك -إذا رأيت شبحا من بعيد- ما هو ؟ فإذا قيل لك : إنسان ، قلت حينئذ : من هو ؟ ويدلك قولهم " من" لما يعقل . أو أريد به الوصف ، كأنه قيل : ومعبوديهم . ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد ؟ تعني : أطويل أم قصير ؟ أفقيه أم طبيب ؟ فإن قلت : ما فائدة أنتم وهم ؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ؟ قلت : ليس السؤال عن الفعل ووجوده ؛ لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متوليه ، فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ، حتى يعلم أنه المسؤول عنه . فإن قلت : فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه ، فما فائدة هذا السؤال ؟ قلت : فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به ، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم ، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم ، ويكون ذلك نوعا ما يلحقهم من غضب الله وعذابه ، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك ، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفا للمكلفين ، وفيه كسر بين لقول من يزعم أن الله يضل عباده على الحقيقة ، حيث يقول للمعبودين من دونه : أأنتم أضللتموهم ، أم [ ص: 338 ] هم ضلوا بأنفسهم ؟ فيتبرؤون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ، ويقولون : بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم ، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر ، سبب الكفر ونسيان الذكر ، وكان ذلك سبب هلاكهم ، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه ، فهم لربهم الغني العدل أشد تبرئة وتنزيها منه ، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها ، وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة ، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله : " يضل من يشاء " ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا : بل أنت أضللتهم . والمعنى : أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق ؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم ؟ وضل : مطاوع "أضله" وكان القياس : ضل عن السبيل ، إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذه الطريق . والأصل : إلى الطريق ، وللطريق . وقولهم : أضل البعير ، في معنى : جعله ضالا ، أي : ضائعا ، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه ، قيل : أضله ، سواء كان منه فعل أو لم يكن الكلبي "سبحانك" تعجب منهم ، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدسون الموسومون بذلك ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده . أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد ، وأن يكون له نبي أو ملك أو غيرهما [ ص: 339 ] ندا ، ثم قالوا : ما كان يصح لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك ، فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك ، أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار . قال الله تعالى : فقاتلوا أولياء الشيطان يريد الكفرة وقال : والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت وقرأ أبو جعفر المدني : نتخذ ، على البناء للمفعول . وهذا الفعل أعني "اتخذ" يتعدى إلى مفعول واحد ، كقولك : اتخذ وليا وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا . قال الله تعالى : أم اتخذوا آلهة من الأرض [الأنبياء : 21 ] ، وقال : واتخذ الله إبراهيم خليلا فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو من أولياء والأصل : أن نتخذ أولياء ، فزيدت " من" لتأكيد معنى النفي ، والثانية من المتعدي إلى مفعولين . فالأول ما بني له الفعل . والثاني : من أولياء . ومن للتبعيض ، أي : لا نتخذ بعض أولياء . وتنكير " أولياء" من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام والذكر : ذكر الله والإيمان به ، أو القرآن والشرائع . والبور : الهلاك ، يوصف به الواحد والجمع . ويجوز أن يكون جمع بائر ، كعائذ وعوذ .