قرئ : "أسر " ، بقطع الهمزة ووصلها . وسر إنكم متبعون علل الأمر بالإسراع باتباع فرعون وجنوده آثارهم . والمعنى : أني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم ، حتى يدخلوا مدخلكم ، ويسلكوا مسلككم من طريق البحر ، فأطبقه عليهم فأهلكهم . وروي : أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد ، فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه . وروي : أن الله أوحى إلى موسى : أن أجمع بني إسرائيل ، كل أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم ، فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار القبط ، واخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ، فأرسل فرعون في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور ، مع كل ملك ألف ، وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف : كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة . وعن -رضي الله عنهما - : خرج ابن عباس فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث فلذلك استقل قوم موسى عليه السلام وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ، وسماهم شرذمة قليلين إن هؤلاء محكي بعد قول مضمر . والشرذمة : الطائفة القليلة . ومنها قولهم : ثوب شراذم ، للذي بلي وتقطع قطعا ، ذكرهم بالاسم الدال على القلة ، ثم جعلهم قليلا بالوصف ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلا ، واختار جمع السلامة الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقله وقلل . ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد . والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر [ ص: 394 ] واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج ، سارعنا إلى حسم فساده ؛ وهذه معاذير ، اعتذر بها إلى أهل المدائن ؛ لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه . وقرئ : "حذرون" و "حاذرون" و "حادرون " ، بالدال غير المعجمة . فالحذر : اليقظ ، والحاذر : الذي يجدد حذره . وقيل : المؤدي في السلاح ، وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه . والحادر : السمين القوي ، قال [من الطويل ] :
أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر
أراد أنهم أقوياء أشداء . وقيل مدججون في السلاح ، قد كسبهم ذلك حدارة في أجسامهم .