[ ص: 408 ] "أتتركون" يجوز أن يكون إنكارا لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم لا يزالون عنه ، وأن يكون تذكيرا بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات وغير ذلك ، مع الأمن والدعة في ما ها هنا في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ، ثم فسره بقوله : في جنات وعيون وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل . فإن قلت : لم قال "ونخل" بعد قوله : في جنات ، والجنة تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج ، حتى أنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل ؛ كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل ؛ قال زهير [من البسيط ] :
تسقي جنة سحقا
قلت : فيه وجهان : أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر ؛ تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها ، وأن يريد بالجنات : غيرها من الشجر ؛ لأن اللفظ يصلح لذلك ، ثم يعطف عليها النخل . الطلعة : هي التي تطلع من النخلة . كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو . والقنو : اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه . والهضيم : اللطيف الضامر ، من قولهم : كشح هضيم ، وطلع إناث النخل فيه لطف ، وفي طلع الفحاحيل جفاء ، وكذلك طلع البرني ألطف من طلع اللون ، فذكرهم نعمة الله في أن وهب لهم أجود النخل وأنفعه : لأن الإناث ولادة التمر ، والبرني : أجود التمر وأطيبه ويجوز أن يريد أن نخيلهم أصابت جودة المنابت وسعة الماء . وسلمت من العاهات ، فحملت الحمل الكثير ، وإذا كثر الحمل هضم ، وإذا قل جاء فاخرا . وقيل : الهضيم : اللين النضيج ، كأنه قال : ونخل قد أرطب ثمره . قرأ : "وتنحتون " ، بفتح الحاء . وقرئ : "فرهين " ، و"فارهين " . والفراهة : الكيس والنشاط . ومنه : خيل فرهة ، استعير لامتثال الأمر ، وارتسامه طاعة الآمر المطاع . أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي ، والمراد الآمر . ومنه قولهم : لك علي إمرة مطاعة . وقوله تعالى : الحسن وأطيعوا أمري . فإن قلت : ما فائدة قوله : ولا يصلحون ؟ قلت : فائدته أن فسادهم فساد مصمت ليس معه شيء من الصلاح ، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح .