فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين
" أن" هي المفسرة ؛ لأن النداء فيه معنى القول . والمعنى : قيل له بورك . فإن قلت : هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره : نودي بأنه بورك . والضمير ضمير الشأن ؟ قلت : لا ، لأنه لا بد من "قد " . فإن قلت : فعلى إضمارها ؟ قلت : لا يصح ؛ لأنها علامة لا تحذف . ومعنى بورك من في النار ومن حولها بورك من في مكان النار ، ومن حول مكانها . ومكانها : البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة [القصص : 30 ] وتدل عليه قراءة . "تباركت الأرض ومن حولها " . وعنه : "بوركت النار " ؛ والذي بوركت له البقعة ، وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر ديني فيها ؛ وهو تكليم الله أبي موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه ؛ ورب خير يتجدد في بعض البقاع ، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ، ويبث آثار يمنه في أباعدها ، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة . وقيل : المراد بالمبارك فيهم : موسى والملائكة الحاضرون . والظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض وفي تلك الوادي وحواليهما من أرض الشام ، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين وحقت أن تكون كذلك ، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحي إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتا . فإن قلت : فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه ؟ قلت : هي بشارة له بأنه قد قضى بأمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة وسبحان الله رب العالمين تعجيب لموسى عليه السلام من ذلك ، وإيذان بأن ذلك الأمر مريده ومكونه رب العالمين ، [ ص: 433 ] تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون .