ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين
"علما" طائفة من العلم أو علما سنيا غزيرا . فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو ، كقولك : أعطيته فشكر ، ومنعته فصبر ؟ قلت : بلى ، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه ، فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد ، كأنه قال : ولقد آتيناهما علما فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله الذي فضلنا . والكثير المفضل عليه : من لم يؤت علما . أو من لم يؤت مثل علمهما . وفيه : أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير . وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله ، وأن نعمة العلم من أجل النعم . وأجزل القسم ، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من عباد الله ، كما قال : والذين أوتوا العلم درجات [المجادلة : 11 ] ، وما سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "ورثة الأنبياء" إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة ، لأنهم القوام بما بعثوا من أجله . وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة [ ص: 436 ] لوازم ، منها : أن يحمدوا الله على ما أوتوه من فضلهم على غيرهم . وفيها التذكير [ ص: 437 ] بالتواضع ، وأن يعتقد العالم أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم . وما أحسن قول عمر : كل الناس أفقه من عمر .


