فإن قلت : من أين للهدهد التهدي إلى معرفة الله ، ووجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلى الشيطان وتزيينه ؟ قلت : لا يبعد أن يلهمه الله ذلك كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها ، ومن أراد استقراء ذلك فعليه بكتاب الحيوان ، خصوصا في زمن نبي سخرت له الطيور وعلم منطقها ، وجعل ذلك معجزة له . من قرأ بالتشديد أراد : "فصدهم عن السبيل" لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن . ويجوز أن تكون " لا" مزيدة ، ويكون المعنى : فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا . ومن قرأ بالتخفيف ، فهو "ألا يسجدوا " . ألا للتنبيه ، ويا حرف النداء . ومناداه محذوف ؛ كما حذفه من قال [من الطويل ] :
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى
[ ص: 449 ] وفي حرف عبد الله وهي قراءة : "هلا " ، و "هلا " : بقلب الهمزتين هاء . وعن الأعمش عبد الله : "هلا تسجدون" بمعنى ألا تسجدون على الخطاب . وفي قراءة : "ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون " ، وسمي المخبوء بالمصدر : وهو النبات والمطر وغيرهما مما خبأه عز وعلا من غيوبه . وقرئ : "الخب " ، على تخفيف الهمزة بالحذف . والخبا ، على تخفيفها بالقلب ، وهي قراءة أبي ابن مسعود . ووجهها : أن تخرج على لغة من يقول في الوقف : هذا الخبو ، رأيت الخبا ، ومررت بالخبي . ثم أجري الوصل مجرى الوقف ، لا على لغة من يقول : الكمأة والحمأة ؛ لأنها ضعيفة مسترذلة . وقرئ : "يخفون ويعلنون" بالياء والتاء . وقيل : من أحطت إلى العظيم : هو كلام الهدهد . وقيل : كلام رب العزة . وفي إخراج الخبء : أمارة على أنه من كلام الهدهد لهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض ، وذلك بإلهام من يخرج الخبء في السماوات والأرض جلت قدرته ولطف علمه ، ولا يكاد تخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله مخائل كل مختص بصناعة أو فن من العلم في روائه ومنطقه وشمائله ، ولهذا ورد : ما عمل عبد عملا إلا ألقى الله عليه رداء عمله . فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما ؟ قلت : هي واجبة فيهما جميعا ، لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن تركها ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود ، والأخرى ذم للتارك ، وقد اتفق ومالك بن دينار أبو حنيفة رحمهما الله على أن سجدات القرآن أربع عشرة ، وإنما اختلفا في سجدة ص : فهي عند والشافعي سجدة [ ص: 450 ] تلاوة . وعند أبي حنيفة : سجدة شكر . وفي سجدتي سورة الحج وما ذكره الشافعي من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد ، فغير مرجوع إليه . فإن قلت : هل يفرق الواقف بين القراءتين ؟ قلت : نعم إذا خفف وقف على الزجاج فهم لا يهتدون ثم ابتدأ ألا يسجدوا ، وإن شاء وقف على "ألا يا" ثم ابتدأ "يسجدوا" وإذا شدد لم يقف إلا على العرش العظيم . فإن قلت : كيف سوى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظم ؟ قلت : بين الوصفين بون عظيم ، لأن وصف عرشها بالعظم : تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك . ووصف عرش الله بالعظم : تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض . وقرئ : "العظيم " ، بالرفع .