فإن قلت : لم رفع اسم الله ، والله يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض ؟ قلت : جاء على لغة بني تميم ، حيث يقولون : ما في الدار أحد إلا حمار ، يريدون : ما فيها إلا حمار ، كأن أحدا لم يذكر ؛ ومنه قوله [من الطويل ] :
عشية ما تغني الرماح مكانها . . . ولا النبل إلا المشرفي المصمم
وقولهم : ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه . فإن قلت : ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي ؟ قلت : دعت إليه نكتة سرية . حيث أخرج [ ص: 467 ] المستثنى مخرج قوله : إلا اليعافير ، بعد قوله : ليس بها أنيس ، ليؤول المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السماوات والأرض ، فهم يعلمون الغيب ، يعني : أن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم ، كما أن معنى ما في البيت : إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس ، بتا للقول بخلوها عن الأنيس . فإن قلت : هلا زعمت أن الله ممن في السماوات والأرض ، كما يقول المتكلمون : الله في كل مكان ، على معنى أن علمه في الأماكن كلها ، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بني تميم ؟ قلت : يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز ، وكونهم فيهن حقيقة ، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة ، على أن قولك : من في هذا السماوات والأرض ، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد : فيه إيهام تسوية ، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى . ألا ترى كيف وعن قال صلى الله عليه وسلم لمن قال : "ومن يعصهما فقد غوى : "بئس خطيب القوم أنت" -رضي الله عنها - : عائشة ، والله تعالى يقول : من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله . وعن بعضهم : أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحدا ؛ لئلا يأمن أحد من عبيده مكره . وقيل : نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وقت الساعة "أيان" بمعنى متى ، ولو سمي به : لكان فعالا ، من آن يئين ولا نصرف . وقرئ : "إيان " ، بكسر الهمزة .