"جامدة" من جمد في مكانه إذا لم يبرح . تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفة ثابتة في مكان واحد وهي تمر مرا حثيثا كما يمر السحاب . وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد : إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها ، كما قال في صفة جيش [من الطويل ] : النابغة
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم . . . وقوف لحاج والركاب تهملج
صنع الله من المصادر المؤكدة ، كقوله : " وعد الله " . صبغة الله إلا أن مؤكده محذوف ، وهو الناصب ليوم ينفخ ، والمعنى : ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت [ ص: 477 ] أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ، ثم قال : صنع الله يريد به : الإثابة والمعاقبة . وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب ، حيث قال : صنع الله الذي أتقن كل شيء يعني أن مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب : من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها ، وإجزائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه ، فيكافئهم على حسب ذلك . ثم لخص ذلك بقوله : من جاء بالحسنة إلى آخر الآيتين ، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام ، وحسن نظمه وترتيبه ، ومكانة إضماده ، ورصانة تفسيره ، وأخذ بعضه بحجزة بعض ، كأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر ما أعجز القوي وأخرى الشقاشق . ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام ، جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان . ألا ترى إلى قوله : صنع الله ، و صبغة الله ، و " وعد الله " ، فطرت الله : بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم ، كيف تلاها بقوله : الذي أتقن كل شيء ، ومن أحسن من الله صبغة ، لا يخلف الله الميعاد لا تبديل لخلق الله وقرئ : "تفعلون " ، على الخطاب . فله خير منها يريد الإضعاف وأن العمل يتقضى والثواب يدوم ، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد . وقيل : فله خير منها ، أي : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة . وعن ؛ الحسنة كلمة الشهادة . وقرئ : "يومئذ" مفتوحا مع الإضافة ؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن . ومنصوبا مع تنوين فزع . فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأول : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ ، من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به ؛ كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كان ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية . وأما الثاني : فالخوف من العذاب . فإن قلت : فمن قرأ "من فزع" بالتنوين ما معناه ؟ قلت : يحتمل معنيين . من فزع واحد وهو خوف العقاب ، وأما ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم ، فلا يخلون منه ؛ لأن البشرية تقتضي ذلك . وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه . ومن فزع شديد مفرط الشدة لا يكتنهه الوصف : وهو خوف النار . أمن : يعدى بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى : ابن عباس أفأمنوا مكر الله . وقيل : السيئة : الإشراك . يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة ، فكأنه قيل : فكبوا في النار ، كقوله تعالى : فكبكبوا فيها ويجوز أن يكون ذكر الوجوه [ ص: 478 ] إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين هل تجزون يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول .