ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين
كان عمر نوح عليه السلام ألفا وخمسين سنة ، بعث على رأس أربعين ، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين ، وعاش بعد الطوفان ستين . وعن : أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة . فإن قلت : هلا قيل : تسعمائة وخمسين سنة ؟ قلت : ما أورده الله أحكم . لأنه لو قيل كما قلت ، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره ، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك ، وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد ، إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة ، وفيه نكتة أخرى : وهي أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به وهب نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة ، تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتثبيتا له ، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه ، أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره . فإن قلت : فلم جاء المميز أولا بالسنة وثانيا بالعام ؟ قلت : لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة ، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك . و "الطوفان" ما أطاف [ ص: 541 ] وأحاط بكثرة وغلبة ، من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما ؛ قال العجاج [من الرجز ] :
وغم طوفان الظلام الأثأبا
أصحاب السفينة كانوا ثمانية وسبعين نفسا : نصفهم ذكور ، ونصفهم إناث ، منهم أولاد نوح عليه السلام : سام ، وحام ، ويافث ، ونساؤهم . وعن : كانوا عشرة . خمسة رجال وخمس نسوة . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : محمد بن إسحاق "كانوا ثمانية : نوح وأهله وبنوه الثلاثة " والضمير في "وجعلناها" للسفينة أو للحادثة والقصة .