ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين
"ولوطا" معطوف على إبراهيم ، أو على ما عطف عليه . و "الفاحشة" الفعلة البالغة في القبح . و ما سبقكم بها من أحد من العالمين جملة مستأنفة مقررة لفحاشة تلك الفعلة ، كأن قائلا قال : لم كانت فاحشة ؟ فقيل له : لأن أحدا قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازا منها في طباعهم لإفراط قبحها ، حتى أقدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم وقذر طباعهم . قالوا : لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط قط . وقرئ : إنكم ، بغير استفهام في الأول دون الثاني : قال : وجدته في الإمام بحرف واحد بغير ياء ، ورأيت الثاني بحرفين الياء والنون وقطع السبيل : عمل قطاع الطريق ، من قتل الأنفس وأخذ الأموال . وقيل : اعتراضهم السابلة بالفاحشة . وعن أبو عبيدة : قطع النسل بإتيان ما ليس بحرث . و "المنكر" عن الحسن -رضي الله عنهما- هو الخذف بالحصى ، والرمي بالبنادق ، [ ص: 547 ] والفرقعة ، ومضغ العلك ، والسواك بين الناس ، وحل الأزرار ، والسباب ، والفحش في المزاح . وعن ابن عباس -رضي الله عنها - : كانوا يتحابقون وقيل السخرية بمن مر بهم . وقيل : المجاهرة في ناديهم بذلك العمل ، وكل معصية فإظهارها أقبح من سترها ، ولذلك جاء : من خرق جلباب الحياء فلا غيبة له . ولا يقال للمجلس : ناد ، إلا ما دام فيه أهله ، فإذا قاموا عنه لم يبق ناديا عائشة إن كنت من الصادقين فيما تعدناه من نزول العذاب . كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعا وكرها ولأنهم ابتدعوا الفاحشة وسنوها فيمن بعدهم ، وقال الله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [النحل : 88 ] فأراد لوط عليه السلام أن يشتد غضب الله عليهم ، فذكر لذلك صفة المفسدين في دعائه .