قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنـزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين
يا أهل الكتاب قيل: هم أهل الكتابين، وقيل: وفد نجران، وقيل: يهود المدينة سواء بيننا وبينكم مستوية بيننا وبينكم، لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة قوله: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله يعني: تعالوا إليها حتى لا نقول: عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله; لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا، ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله، كقوله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا [التوبة: 31].
وعن : عدي بن حاتم "ما كنا نعبدهم يا رسول الله، قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم، قال: هو ذاك".
وعن : لا أبالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق، أو صليت لغير القبلة، وقرئ (كلمة) بسكون اللام، وقرأ الفضيل (سواء) بالنصب بمعنى استوت استواء الحسن فإن تولوا : عن التوحيد فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي: لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما: اعترف بأني أنا الغالب وسلم لي الغلبة، ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه: اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره.
زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان منهم، وجادلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين فيه فقيل لهم: إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل، وبين إبراهيم وموسى ألف سنة، وبينه وبين عيسى ألفان، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة؟ أفلا تعقلون : حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال ها أنتم هؤلاء : "ها" للتنبيه، و"أنتم" مبتدأ، و"هؤلاء" خبره، و"حاججتم": جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى [ ص: 568 ] وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم.
وعن : ها أنتم هو آأنتم على الاستفهام، فقلبت الهمزة هاء، ومعنى الاستفهام التعجب من حماقتهم، وقيل: "هؤلاء": بمعنى اللذين و"حاججتم": صلته الأخفش والله يعلم : علم ما حاججتم فيه، "وأنتم": جاهلون به ثم أعلمهم بأنه برئ من دينكم وما كان إلا حنيفا مسلما وما كان من المشركين كما لم يكن منكم، أو أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح.
إن أولى الناس بإبراهيم إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب للذين اتبعوه : في زمانه وبعده وهذا النبي : خصوصا والذين آمنوا من أمته، وقرئ: (وهذا النبي) بالنصب عطفا على الهاء في "اتبعوه"، أي: اتبعوه واتبعوا هذا النبي، وبالجر عطفا على إبراهيم.