وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم
وهو أهون عليه فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم ؛ لأن من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها ، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم : أول الغزو أخرق ، وتسمون الماهر في صناعته معاودا ، تعنون أنه عاودها كرة بعد أخرى ؛ حتى مرن عليها وهانت عليه . فإن قلت : لم ذكر الضمير في قوله : وهو أهون عليه والمراد به الإعادة ؟ قلت : معناه : وأن يعيده أهون عليه . فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله : وهو أهون عليه وقدمت في قوله : هو علي هين [مريم : 21 ] ؟ قلت : هناك قصد الاختصاص وهو محزه ، فقيل : [ ص: 575 ] هو علي هين ، وإن كان متصعبا عندكم أن يولد بين هم وعاقر ؛ وأما ها هنا فلا معنى للاختصاص ، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء ؛ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى . فإن قلت : ما بال الإعادة استعظمت في قوله : ثم إذا دعاكم حتى كأنها فضلت على قيام السماوات والأرض بأمره ، ثم هونت بعد ذلك ؟ قلت : الإعادة في نفسها عظيمة ، ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء . وقيل الضمير في عليه للخلق . ومعناه : أن البعث أهون على الخلق من الإنشاء ، لأن تكوينه في حد الاستحكام ، والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقل في أحوال ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحد . وقيل : الأهون بمعنى الهين . ووجه آخر : وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بد له من فعله ، لأنها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والأفعال : إما محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن [ ص: 576 ] المقدور ، وإما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال ؛ لأن الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة . وإما تفضل والتفضل حالة بين بين ، للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله . وإما واجب لا بد من فعله ، ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول . فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع . وإذا كانت أبعدها من الامتناع ، كانت أدخلها في التأني والتسهل ، فكانت أهون منها . وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء وله المثل الأعلى أي : الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به . ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ، ويدل عليه قوله تعالى : وهو العزيز الحكيم أي القاهر لكل مقدور ، "الحكيم" الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه . وعن : مجاهد المثل الأعلى قول لا إله إلا الله ، ومعناه : وله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية . ويعضده قوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم : 28 ] وقال : الزجاج وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ، أي : قوله تعالى : وهو أهون عليه [الروم :27 ] قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل . يريد : التفسير الأول .