فأقم وجهك للدين فقوم وجهك له وعدله ، غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا ، وهو تمثيل لإقباله على الدين ، واستقامته عليه ، وثباته ، واهتمامه بأسبابه ، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه ، وسدد إليه نظره ، وقوم له وجهه ، مقبلا به عليه . و "حنيفا" حال من المأمور . أو من الدين فطرت الله أي الزموا فطرة الله . أو عليكم فطرة الله . وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله : منيبين إليه ومنيبين : حال من الضمير في : الزموا . وقوله : واتقوه وأقيموا ولا تكونوا معطوف على هذا المضمر . والفطرة : الخلقة . ألا ترى إلى قوله : لا تبديل لخلق الله والمعنى : أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام ، غير نائين عنه ولا منكرين له ، لكونه مجاوبا للعقل ، مساوقا للنظر الصحيح ، حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر ، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ، وقوله عليه السلام : "كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن [ ص: 578 ] يشركوا بي غيري " ، "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه " لا تبديل لخلق الله أي ما ينبغي أن تبدل [ ص: 579 ] تلك الفطرة أو تغير . فإن قلت : لم وحد الخطاب أولا ، ثم جمع ؟ قلت : خوطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولا ، وخطاب الرسول خطاب لأمته مع ما فيه من التعظيم للإمام ، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص من الذين بدل من المشركين " فارقوا دينهم " تركوا دين الإسلام . وقرئ : "فرقوا دينهم" بالتشديد ، أي : جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم وكانوا شيعا فرقا ، كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها كل حزب منهم فرح بمذهبه مسرور ، يحسب باطله حقا ويجوز أن يكون " من الذين " منقطعا مما قبله ، ومعناه : من المفارقين دينهم كل حزب فرحين بما لديهم ، ولكنه رفع فرحون على الوصل لكل ؛ كقوله [من الطويل ] :
وكل خليل غير هاضم نفسه