القائلون : هم الملائكة ، والأنبياء . والمؤمنون في كتاب الله في اللوح . أو في علم الله وقضائه . أو فيما كتبه ، أي : أوجبه بحكمته . ردوا ما قالوه وحلفوا عليه ، وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم : فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه . فإن قلت : ما هذه الفاء ؟ وما حقيقتها ؟ قلت : هي التي في قوله [من الهزج ] :
فقد جئنا خراسانا
وحقيقتها : أنها جواب شرط يدل عليه الكلام . كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان ، وآن لنا أن نخلص ، وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث ، أي فقد تبين بطلان قولكم . وقرأ يوم البعث ، بالتحريك الحسن لا ينفع قرئ بالياء والتاء "يستعتبون" من قولك : استعتبني فلان فأعتبته . أي : استرضاني فأرضيته . وذلك إذا كنت جانيا عليه . وحقيقة أعتبته : أزلت عتبه ؛ ألا ترى إلى [ ص: 589 ] قوله [من الكامل ] :
غضبت تميم أن تقتل عامر . . . يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
كيف جعلهم غضابا ، ثم قال : فأعتبوا ، أي : أزيل غضبهم . والغضب في معنى العتب . والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون [الجاثية : 35 ] . فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات ، وغير معتبين في بعضها ، وهو قوله : وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ؟ قلت : أما كونهم غير مستعتبين : فهذا معناه . وأما كونهم غير معتبين ، فمعناه : أنهم غير راضين بما هم فيه ، فشبهت حالهم بحال قوم جني عليهم ، فهم عاتبون على الجاني غير راضين عنه ، فإن يستعتبوا الله : أي يسألوه إزالة ما هم فيه ، فما هم من المجابين إلى إزالته .