هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما
لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنوا عليه ترؤفا ، كعائد المريض في انعطافه عليه ، والمرأة في حنوها على ولدها ، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم : صلى الله عليك ، أي ترحم عليك وترأف . فإن قلت : قوله : هو الذي يصلي عليكم إن فسرته بيترحم عليكم ويترأف ، فما تصنع بقوله : "وملئكته " وما معنى صلاتهم ؟ قلت : هي قولهم : اللهم صل على المؤمنين ، جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة . ونظيره قوله : حياك الله ، أي حياك وأبقاك ، وحييتك ، أي : دعوت لك بأن يحييك الله ; لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ، وكذلك : عمرك الله ، وعمرتك ، وسقاك الله ، وسقيتك ، وعليه قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه [الأحزاب : 56 ] أي ادعوا الله بأن يصلي عليه . والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ويترأف حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة "ليخرجكم " من [ ص: 78 ] ظلمات المعصية إلى نور الطاعة وكان بالمؤمنين رحيما دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة . ويروى أنه لما نزل قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي [الأحزاب : 56 ] قال -رضي الله عنه - : ما خصك يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه ، فأنزلت "تحيتهم " من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي : يحيون يوم لقائه بسلام ، فيجوز أن يعظمهم الله بسلامه عليهم ، كما يفعل بهم سائر أنواع التعظيم ، وأن يكون مثلا كاللقاء على ما فسرنا . وقيل : هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم وبشارتهم بالجنة . وقيل : سلام الملائكة عند الخروج من القبور . وقيل : عند دخول الجنة ، كما قال : أبو بكر والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد : 23 - 24 ] والأجر الكريم : الجنة .