لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا ، قال لنبيه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا يعني : أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين ، كمن لم يزين له ، فكأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال : (لا ) فقال : فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد ، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح ، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه ، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي ، ويعتنق طاعة الهوى ، حتى يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا ، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه ، ويقعد تحت قول أبي نواس [من مجزوء الرمل ] :
اسقني حتى تراني حسنا عندي القبيح
وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم ، فإن على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقي بالا إلى ذكرهم ، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم : اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم . وذكر الزجاج أن المعنى : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه : أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ، فحذف لدلالة فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء عليه . حسرات : مفعول له [ ص: 142 ] يعني : فلا تهلك نفسك للحسرات . وعليهم صلة تذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا . أو هو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بحسرات ; لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته ، ويجوز أن يكون حالا ، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال جرير [من الكامل ] :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى     حتى ذهبن كلاكلا وصدورا 
يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي : لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قوله [من الخفيف ] :
فعلى إثرهم تساقط نفسي     حسرات وذكرهم لي سقام 
وقرئ : (فلا تذهب نفسك ) ، إن الله عليم بما يصنعون وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم .
				
						
						
