وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا
بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ، فقالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم ، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كذبوه . وفى إحدى الأمم وجهان ، أحدهما : من بعض الأمم ، ومن واحدة من الأمم من اليهود والنصارى وغيرهم . والثاني : من الأمة التي يقال لها إحدى الأمم ، تفضيلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة "ما زادهم " إسناد مجازي ; لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم . نفورا عن الحق وابتعادا عنه كقوله تعالى : فزادتهم رجسا إلى رجسهم . "استكبارا " بدل من نفورا . أو مفعول له ، على معنى : فما زادهم إلا أن نفروا استكبارا وعلوا في الأرض أو حال بمعنى : مستكبرين وماكرين برسول الله -صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين . ويجوز أن يكون ومكر السيئ معطوفا على نفورا فإن قلت : فما وجه قوله : ومكر السيئ ؟ قلت : أصله : وإن مكروا السيئ ، أي : ، ثم ومكر السيئ ، ثم ومكر السيئ ، والدليل عليه قوله تعالى : المكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ومعنى يحيق : يحيط وينزل . وقرئ : (ولا يحيق المكر السيئ ) أي : لا يحيق الله ، ولقد حاق بهم يوم بدر . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا ، فإن الله تعالى يقول : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا ، [ ص: 163 ] يقول الله تعالى : إنما بغيكم على أنفسكم [يونس : 23 ] ". وعن أنه قال كعب -رضي الله عنهما - : قرأت في التوراة : من حفر مغواة وقع فيها . قال : إني وجدت ذلك في كتاب الله ، وقرأ الآية . وفى أمثال العرب : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا . وقرأ لابن عباس : (ومكر السيء ) بإسكان الهمزة ، وذلك لاستثقاله الحركات مع الياء والهمزة ، ولعله اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ، ثم ابتدأ "ولا يحيق " . وقرأ حمزة : (مكرا سيئا ) . ابن مسعود سنت الأولين إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم ، وجعل استقبالهم لذلك انتظارا له منهم ، وبين أن عادته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يحولها ، أي : لا يغيرها ، وأن ذلك مفعول له لا محالة ، واستشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلهم إلى الشام والعراق واليمن : من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم "ليعجزه " ليسبقه ويفوته .