قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين
أي : لما قتل "قيل " له : ادخل الجنة وعن : أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق ، أراد قوله تعالى : قتادة بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين [آل عمران : 169 - 170 ] وقيل : معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها . فإن قلت : كيف مخرج هذا القول في علم البيان ؟ قلت : مخرجه مخرج الاستئناف ; لأن هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه ، كأن قائلا قال : كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه ، والتسخي لوجهه بروحه ؟ فقيل : قيل : "ادخل الجنة " ولم يقل قيل له ; لانصباب الغرض إلى المقول وعظمه ، لا إلى المقول له مع كونه معلوما ، وكذلك قال يا ليت قومي يعلمون مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قوله عند ذلك الفوز العظيم ، وإنما تمنى علم قومه بحاله ، ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم ، بالتوبة عن الكفر ، والدخول في الإيمان [ ص: 173 ] والعمل الصالح المفضيين بأهلهما إلى الجنة . وفى حديث مرفوع : "نصح قومه حيا وميتا " . وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ ، والحلم عن أهل الجهل ، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ، والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه ، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه ، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام ، ويجوز أن يتمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره ، وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة ، وأن عداوتهم إلا فوزا ولم تعقبه إلا سعادة ; لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور ، والأول أوجه . وقرئ : (المكرمين ) . فإن قلت : "ما " في قوله تعالى : بما غفر لي ربي أي الماآت هي ؟ قلت : المصدرية أو الموصولة ، أي : بالذي غفره لي من الذنوب . ويحتمل أن تكون استفهامية ، يعني بأي شيء غفر لي ربي ; يريد به ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز الدين حتى قتل ، إلا أن قولك : "بم غفر لي " بطرح الألف أجود ، وإن كان إثباتها جائزا ; يقال : قد علمت بما صنعت هذا ، أي : بأي شيء صنعت وبم صنعت .