ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون
الطمس : تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة فاستبقوا الصراط لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل . والأصل : فاستبقوا إلى الصراط ، أو يضمن معنى ابتدروا ، أو يجعل الصراط مسبوقا لا مسبوقا إليه ، أو ينتصب على الظرف . والمعنى : أنه لو شاء لمسح أعينهم ، فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه إلى مساكنهم وإلى مقاصدهم المألوفة التي ترددوا إليها كثيرا -كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم - لم يقدروا ، وتعايى عليهم أن يبصروا ويعلموا [ ص: 188 ] جهة السلوك فضلا عن غيره . أو لو شاء لأعماهم ، فلوا أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف -كما كان ذلك هجيراهم - لم يستطيعوا . أو لو شاء لأعماهم ، فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا ، يعني : أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك ، كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضروا به من المقاصد دون غيرها على مكانتهم وقرئ : (على مكاناتهم ) والمكانة والمكان واحد ، كالمقامة والمقام . أي : لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضي ولا رجوع . واختلف في المسخ ، فعن : لمسخناهم قردة وخنازير . وقيل : حجارة . عن ابن عباس : لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم . وقرئ : (مضيا ) بالحركات الثلاث ، فالمضي والمضي كالعتي والعتي . والمضي كالصبي . قتادة