الضمير في "لا يسمعون " لكل شيطان ; لأنه في معنى الشياطين . وقرئ بالتخفيف والتشديد ، وأصله : يتسمعون . والتسميع : تطلب السماع . يقال : تسمع فسمع ، أو فلم يسمع . وعن رضي الله عنهما : هم يتسمعون ولا يسمعون ، وبهذا ينصر التخفيف على التشديد . فإن قلت : لا يسمعون كيف اتصل بما قبله ؟ قلت : لا يخلو من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لكل شيطان ، أو استئنافا فلا تصح الصفة ; لأن الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا يتسمعون لا معنى له ، وكذلك الاستئناف ; لأن سائلا لو سأل : لم تحفظ من الشياطين ؟ فأجيب بأنهم لا يسمعون : لم يستقم ، فبقي أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ اقتصاصا ، لما عليه حال المسترقة للسمع ، وأنهم لا يقدرون أن [ ص: 202 ] يسمعوا إلى كلام الملائكة ، أو يتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك ، إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة ، فعندها تعاجله الهلكة بإتباع الشهاب الثاقب . فإن قلت : هل يصح قول من زعم أن أصله : لئلا يسمعوا فحذفت اللام ، كما حذفت في قولك : جئتك أن تكرمني ، فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها ، كما في قول القائل [من الطويل ] : ابن عباس
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى
قلت : كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده ، فأما اجتماعهما فمنكر من المنكرات ، على أن صون القرآن عن مثل هذا التعسف واجب . فإن قلت : أي فرق بين سمعت فلانا يتحدث ، وسمعت إليه يتحدث ، وسمعت حديثه ، وإلى حديثه ؟ قلت : المعدى بنفسه يفيد الإدراك ، والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك و "الملأ الأعلى " : الملائكة ; لأنهم يسكنون السماوات ، والإنس والجن : هم الملأ الأسفل ; لأنهم سكان الأرض . وعن رضي الله عنهما : هم الكتبة من الملائكة . وعنه : أشراف الملائكة ابن عباس من كل جانب من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للاستراق "دحورا " [ ص: 203 ] مفعول له ، أي : ويقذفون للدحور وهو الطرد ، أو مدحورين على الحال ، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى ، فكأنه قيل : يدحرون أو قذفا . وقرأ بفتح الدال على : قذفا دحورا طرودا ، أو على أنه قد جاء مجيء القبول والولوع . والواصب : الدائم ، وصب الأمر وصوبا ، يعني أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب ، وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع "من " في محل الرفع بدل من الواو في "لا يسمعون " ، أي : لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي أبو عبد الرحمن السلمي خطف الخطفة وقرئ : (خطف ) بكسر الخاء والطاء وتشديدها ، وخطف بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها ، وأصلها : اختطف . وقرئ : (فأتبعه ) و (فاتبعه ) .