الصر: الريح الباردة نحو الصرصر، قال [من البسيط]:
لا تعدلن أتاويين تضربهم نكباء صر بأصحاب المحلات
[ ص: 613 ] كما قالت ليلى الأخيلية [من الطويل]:
ولم يغلب الخصم الألد ويملأ الـ ـجفان سديفا يوم نكباء صرصر
فإن قلت: فما معنى قوله: كمثل ريح فيها صر ؟ قلت: فيه أوجه:
أحدها: أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة، فوصف بها القرة بمعنى فيها قره صر، كما تقول: برد بارد على المبالغة.
والثاني: أن يكون الصر مصدرا في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله.
والثالث: أن يكون من قوله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: 21] ومن قولك: إن ضيعني فلان ففي الله كاف وكافل، قال [من الوافر]:
وفي الرحمن للضعفاء كافي
[ ص: 614 ] شبه ما كانوا ينفقون من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه الله - بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما، وقيل: هو ما كانوا يتقربون به إلى الله مع كفرهم، وقيل: ما أنفقوا في عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضاع عنهم; لأنهم لم يبلغوا بإنفاقه ما أنفقوه لأجله، وشبه بحرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلك عقوبة لهم على معاصيهم; لأن الهلاك عن سخط أشد وأبلغ.
فإن قلت: الغرض تشبيه ما أنفقوا في قلة جدواه وضياعه بالحرث الذي ضربته الصر، والكلام غير مطابق للغرض [ ص: 615 ] حيث جعل ما ينفقون ممثلا بالريح؟
قلت: هو من التشبيه المركب الذي مر في تفسير قوله: كمثل الذي استوقد نارا [البقرة: 17] ويجوز أن يراد: مثل إهلاك ما ينفقون مثل إهلاك ريح، أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح وهو الحرث وقرئ: (تنفقون) بالتاء.
وما ظلمهم الله : الضمير للمنفقين على معنى: وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول، أو لأصحاب الحرث الذين ظلموا أنفسهم، أي: وما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم، ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة.
وقرئ: (ولكن) بالتشديد، بمعنى ولكن أنفسهم يظلمونها هم، ولا يجوز أن يراد: ولكن أنفسهم يظلمون، على إسقاط ضمير الشأن; لأنه إنما يجوز في الشعر.