وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب
منذر منهم رسول من أنفسهم وقال الكافرون ولم يقل : وقالوا : إظهارا للغضب عليهم ، ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغي الذين قال فيهم : أولئك هم الكافرون حقا [النساء : 151 ] ، وهل ترى كفرا أعظم وجهلا أبلغ من أن يسموا من صدقه الله بوحيه كاذبا ، ويتعجبوا من التوحيد ، وهو الحق الذي لا يصح غيره ، ولا يتعجبوا من الشرك وهو الباطل الذي لا وجه لصحته . [ ص: 243 ] روي : أن إسلام رضي الله تعالى عنه فرح به المؤمنون فرحا شديدا ، وشق على عمر قريش وبلغ منهم ، فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ، يريدون : الذين دخلوا في الإسلام ، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا ابن أخي ، هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ماذا يسألونني ؟ " قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال عليه السلام : "أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " ؟ فقالوا : نعم وعشرا ، أي نعطيكها وعشر كلمات معها ، فقال : "قولوا : لا إله إلا الله " فقاموا وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب أي : بليغ في العجب . وقرئ : (عجاب ) بالتشديد ، كقوله تعالى : مكرا كبارا [نوح : 22 ] وهو أبلغ من المخفف . ونظيره : كريم وكرام وكرام . وقوله : أجعل الآلهة إلها واحدا مثل قوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف : 19 ] في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم ، كأنه قال : أجعل الجماعة واحدا في قوله ; لأن ذلك في الفعل محال .