هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار
[ ص: 336 ] يريكم آياته من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها. والرزق: المطر; لأنه سببه. وما يتذكر إلا من ينيب وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلا من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله، فإن المعاند لا سبيل إلى تذكره واتعاظه، ثم قال للمنيبين: فادعوا الله أي: اعبدوه مخلصين له الدين من الشرك، وأن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم. رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح ثلاثة أخبار; لقوله: "هو" مترتبة على قوله: الذي يريكم أو أخبار مبتدأ محذوف، وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا. وقرئ: (رفيع الدرجات) بالنصب على المدح. ورفيع الدرجات، كقوله تعالى: ذي المعارج [المعارج: 3] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، وهي دليل على عزته وملكوته. وعن : سماء فوق سماء، والعرش فوقهن. ويجوز أن يكون عبارة عن رفعة شأنه وعلو سلطانه، كما أن ذا العرش عبارة عن ملكه. وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة ابن جبير الروح من أمره الذي هو سبب الحياة من أمره، يريد: الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه، فاستعار له الروح، كما قال تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه [الأنعام: 122] "لينذر" الله. أو الملقى عليه: وهو الرسول أو الروح. وقرئ: (لتنذر) أي: لتنذر الروح لأنها تؤنث، أو على خطاب الرسول. وقرئ: (لينذر يوم التلاق) على البناء للمفعول، يوم التلاق يوم القيامة; لأن الخلائق تلتقي فيه. وقيل: يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض. وقيل: المعبود والعابد. يوم هم بارزون ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء; لأن الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في الحديث: "يحشرون عراة حفاة غرلا" لا يخفى على الله منهم شيء . أي: أن أعمالهم وأحوالهم. وعن رضي الله عنه: لا يخفى عليه منهم شيء. فإن قلت: قوله: ابن مسعود لا يخفى على الله منهم شيء : بيان وتقرير لبروزهم، والله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا، فما معناه؟ قلت: معناه: أنهم كانوا يتوهمون -فى الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب- أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا [ ص: 337 ] يتوهمونه. قال الله تعالى: ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون [فصلت: 32]. وقال تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله [النساء: 108] وذلك لعلمهم أن الناس يبصرونهم; وظنهم أن الله لا يبصرهم، وهو معنى قوله: وبرزوا لله الواحد القهار [إبراهيم: 48]، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به. ومعناه: أنه ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر: لله الواحد القهار . وقيل: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد: "لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس. .. " الآية. فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب.