قرئ: (ومن يعش) بضم الشين وفتحها. والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل: عشي. وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشا. ونظيره: عرج، لمن به الآفة. وعرج، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج. قال الحطيئة [من الطويل]:
[ ص: 442 ]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
أي: تنظر إليها نظر العشي لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء. وهو بين في قول حاتم [من الكامل]:
أعشو إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
[ ص: 443 ] وقرئ: (يعشوا) على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط. وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. ومعنى القراءة بالفتح: ومن يعم عن ذكر الرحمن وهو القرآن، كقوله تعالى: صم بكم عمي [البقرة: 18] وأما القراءة بالضم فمعناها: ومن يتعام عن ذكره، أي: يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى، كقوله تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [النمل: 14] نقيض له شيطانا نخذله ونخل بينه وبين الشياطين، كقوله تعالى: [ ص: 444 ] وقيضنا لهم قرناء [فصلت: 25]، ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين [مريم: 83] وقرئ: (يقيض) أي: يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان. فإن قلت: لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله: وإنهم ليصدونهم ؟ قلت: لأن "من" مبهم في جنس العاشي، وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه، فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين: جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعا. حتى إذا جاءنا العاشي. وقرئ: (جاآنا) على أن الفعل له ولشيطانه. "قال" لشيطانه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين يريد المشرق والمغرب، فغلب كما قيل: العمران والقمران. فإن قلت: فما بعد المشرقين؟ قلت: تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق. فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية: أضاف البعد إليهما. "أنكم" في محل الرفع على الفاعلية، يعني: ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه; لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدته وعنائه، وذلك أن كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله: يا ليت بيني وبينك على معنى: ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين. وقوله: أنكم في العذاب مشتركون تعليل، أي: لن ينفعكم تمنيكم; لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركون في سببه وهو الكفر. وتقويه قراءة من قرأ: (إنكم) بالكسر وقيل: إذا رأى الممنو بشدة من منى بمثلها: روحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء [من الوافر]:
أعزي النفس عنه بالتأسي
[ ص: 445 ] فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروحهم; لعظم ما هم فيه. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: إذ ظلمتم ؟ قلت: معناه: إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ: بدل من اليوم. ونظيره [من الطويل]:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
أي: تبين أني ولد كريمة.