قرئ: (إن شجرت الزقوم) بكسر الشين، وفيها ثلاث لغات: شجرة، بفتح الشين وكسرها وشيرة، بالياء. وروى أنه لما نزل أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم [الصافات: 62] قال ابن الزبعرى: إن أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر: التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإن هذا هو الذي يخوفكم به محمد، فنزل إن شجرت الزقوم طعام الأثيم وهو الفاجر الكثير الآثام. وعن أنه كان يقرئ رجلا فكان يقول: طعام اليتيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا. وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبي الدرداء القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة; لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وروى أبو حنيفة عن علي بن الجعد عن أبي يوسف مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية "كالمهل" قرئ: بضم الميم وفتحها، وهو دردي الزيت. ويدل عليه قوله تعالى: أبي حنيفة يوم تكون السماء كالمهل [المعارج: 8] مع قوله: فكانت وردة كالدهان [الرحمن: 37] وقيل: هو ذائب الفضة والنحاس ، والكاف رفع خبر بعد خبر، وكذلك "يغلي" وقرئ بالتاء للشجرة، وبالياء للطعام. و "الحميم" الماء الحار الذي انتهى غليانه، يقال للزبانية: خذوه فاعتلوه فقودوه بعنف وغلظة، وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل فيجر إلى حبس أو قتل. ومنه "العتل" وهو الغليظ الجافي. وقرئ: بكسر التاء وضمها إلى [ ص: 477 ] سواء الجحيم إلى وسطها ومعظمها. فإن قلت: هلا قيل: صبوا فوق رأسه من الحميم، كقوله تعالى: يصب من فوق رءوسهم الحميم [الحج: 19]; لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه؟ قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدته، إلا أن صب العذاب طريقة الاستعار، كقوله [من البسيط]:
صبت عليه صروف الدهر من صبب
وكقوله تعالى: أفرغ علينا صبرا [البقرة: 250] فذكر العذاب معلقا به الصب، مستعارا له، ليكون أهول وأهيب يقال: ذق إنك أنت العزيز الكريم على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه. وروي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا. وقرئ: (إنك) بمعنى: لأنك. وعن رضي الله عنهما أنه قرأ به على المنبر (إن هذا) العذاب. أو إن هذا الأمر هو الحسن بن علي ما كنتم به تمترون أي تشكون، أو تتمارون وتتلاجون.