وقرئ: (يتربص به ريب المنون)، على البناء للمفعول. وريب المنون. ما يقلق النفوس ويشخص بها من حوادث الدهر. قال [من الكامل]:
[ ص: 630 ]
أمن المنون وريبه أتوجع؟
وقيل: المنون الموت، وهو في الأصل فعول، من منه إذا قطعه; لأن الموت قطوع، ولذلك سميت شعوب قالوا: ننتظر به نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء: زهير والنابغة من المتربصين أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي "أحلامهم" عقولهم وألبابهم. ومنه قولهم: أحلام عاد. والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في القول، وهو قولهم: كاهن وشاعر، مع قولهم مجنون. وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهى أم هم قوم طاغون مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم. فإن قلت: ما معنى كون الأحلام آمرة؟ قلت: هو مجاز لأدائها إلى ذلك، كقوله تعالى: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا [هود: 87] وقرئ: (بل هم قوم طاغون). "تقوله" اختلقه من تلقاء نفسه بل لا يؤمنون فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن، مع علمهم ببطلان قولهم، وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه، وما محمد إلا واحد من العرب. وقرئ: (بحديث مثله) على الإضافة، والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: أن مثل محمد في فصاحته ليس بمعوز في العرب، وإن قدر محمد على نظمه كان مثله قادرا عليه، فليأتوا بحديث ذلك المثل: أم خلقوا أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم من غير شيء من غير مقدر أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق بل لا يوقنون أي: إذا سئلوا من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، وهم شاكون فيما يقولون، لا يوقنون. وقيل: أخلقوا من أجل لا شيء من جزاء ولا حساب؟ وقيل: أخلقوا من غير أب وأم؟ أم عندهم خزائن الرزق حتى يرزقوا النبوة من شاءوا. أو: أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة؟ أم هم المصيطرون الأرباب الغالبون، حتى يدبروا أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم؟ وقرئ: (المصيطرون) بالصاد أم لهم سلم منصوب إلى السماء يستمعون صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما [ ص: 631 ] يزعمون؟ بسلطان مبين بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم . المغرم: أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه، أي: لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في أتباعك؟ أم عندهم الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه حتى يقولوا لا نبعث، وإن بعثنا لم نعذب أم يريدون كيدا وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين فالذين كفروا إشارة إليهم أو أريد بهم كل من كفر بالله هم المكيدون هم الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم مكرهم. وذلك أنهم قتلوا يوم بدر، أو المغلوبون في الكيد، من كايدته فكدته.