كأنه في الجلد توليع البهق
فقال : أردت كأن ذاك . أو يرجع إلى ما هو في معنى الصدقات وهو الصداق ، لأنك لو قلت : وآتوا النساء صداقهن ، لم تخل بالمعنى ، فهو نحو قوله : فأصدق وأكن من الصالحين [المنافقون : 12] كأنه قيل : أصدق ، و نفسا : تمييز ، وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه ، والمعنى : فإن وهبن لكم شيئا من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فكلوه : فأنفقوه . قالوا : فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة ، علم أنها لم [ ص: 19 ] تطب منه نفسا ، وعن : أن رجلا أتى مع امرأته الشعبي في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع ، فقال شريحا : رد عليها . فقال الرجل : أليس قد قال الله تعالى : شريح فإن طبن لكم : قال : لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه ، وعنه : أقيلها فيما وهبت ولا أقيله ، لأنهن يخدعن ، وحكي أن رجلا من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقا كان لها عليه ، فلبث شهرا ثم طلقها ، فخاصمته إلى فقال الرجل : أعطتني طيبة بها نفسها ، فقال عبد الملك بن مروان ، عبد الملك : فأين الآية التي بعدها فلا تأخذوا منه شيئا؟ اردد عليها ، وعن - رضي الله عنه - أنه كتب إلى قضاته : إن النساء يعطين رغبة ورهبة . فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها ، وعن عمر : ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال : "إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله به في الآخرة" ، وروي : أن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحد منهم في شيء مما ساق إلى امرأته ، فقال الله تعالى إن طابت نفس واحدة من غير إكراه ولا خديعة فكلوه سائغا هنيئا ، وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط ، حيث بني الشرط على طيب النفس فقيل : فإن طبن ، ولم يقل : فإن وهبن أو سمحن ، إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة ، وقيل : فإن طبن لكم عن شيء منه ، ولم يقل : فإن طبن لكم عنها ، بعثا لهن على تقليل الموهوب ، وعن : لا يجوز تبرعها إلا باليسير ، وعن الليث بن سعد : لا يجوز تبرعها ما لم تلد أو تقم في بيت زوجها سنة ، ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الأوزاعي الواحد ، فيكون متناولا بعضه ، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله ، لأن بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا . الصداق
الهنيء والمريء : صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ ، إذا كان سائغا لا تنغيص فيه ، وقيل : الهنيء : ما يلذه الآكل ، والمريء ما يحمد عاقبته ، وقيل : هو ما ينساغ في مجراه ، وقيل : لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة "المريء" لمروء [ ص: 20 ] الطعام فيه وهو انسياغه ، وهما وصف للمصدر ، أي : أكلا هنيئا مريئا ، أو حال من الضمير ، أي : كلوه وهو هنيء مريء ، وقد يوقف على "فكلوه" ويبتدأ "هنيئا مريئا" على الدعاء ، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين ، كأنه قيل : هنأ مرأ ، وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة .