ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد
المصيبة في الأرض: نحو الجدب وآفات الزروع والثمار. وفي الأنفس: نحو الأدواء والموت. في كتاب في اللوح من قبل أن نبرأها يعني الأنفس أو المصائب إن ذلك إن تقدير ذلك وإثباته في كتاب على الله يسير وإن كان عسيرا على العباد، ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه فقال: لكيلا تأسوا... ولا تفرحوا يعني: أنكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي; لأن من علم أن ما عنده معقود لا محالة: لم يتفاقم جزعه عند فقده، لأنه وطن نفسه على ذلك، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه، وأن وصوله لا يفوته بحال: لم يعظم فرحه عند نيله والله لا يحب كل مختال فخور لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه: اختال وافتخر به وتكبر على الناس. قرئ: بما آتاكم وأتاكم، من الإيتاء والإتيان. وفي قراءة : "بما أوتيتم" فإن قلت: فلا أحد يملك نفسه، عند مضرة تنزل به، [ ص: 51 ] ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح. قلت: المراد: الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر; فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر: فلا بأس بهما. ابن مسعود
الذين يبخلون بدل من قوله: كل مختال فخور كأنه قال: لا يحب الذين يبخلون، يريد: الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم وعظمه في عيونهم: يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به، ولا يكفيهم أنهم بخلوا حتى يحملوا الناس على البخل ويرغبوهم في الإمساك ويزينوه لهم، وذلك كله نتيجة فرحهم به وبطرهم عند إصابته.
ومن يتول عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهي عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي: فإن الله غني عنه. وقرئ: "بالبخل" وقرأ : "فإن الله الغني"، وهو في مصاحف أهل نافع المدينة والشام كذلك.