إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون
[ ص: 209 ] أريد بالإنسان الناس; فلذلك استثنى منه إلا المصلين. والهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير، من قولهم: ناقة هلواع؛ سريعة السير. وعن أحمد بن يحيى ، قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس. والخير: المال والغنى; والشر: الفقر. أو الصحة والمرض: إذا صح الغني منع المعروف وشح بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصي. والمعنى: أن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه، كأنه مجبول عليهما مطبوع، وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختياري، كقوله تعالى: خلق الإنسان من عجل [الأنبياء: 37]. والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذم والله لا يذم فعله، والدليل عليه: استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلفوها عن الشهوات، حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم. " " فإن قلت: كيف قال: شر ما أعطي ابن آدم شح هالع وجبن خالع على صلاتهم دائمون [ ص: 210 ] ثم على صلاتهم يحافظون؟ قلت: معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. " " وقول عائشة: أفضل العمل أدومه وإن قل ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسنتها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم، فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها كان عمله ديمة. حق معلوم هو الزكاة، لأنها مقدرة معلومة; أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة. السائل: الذي يسأل "والمحروم" الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم.
يصدقون بيوم الدين تصديقا بأعمالهم واستعدادهم له، ويشفقون من عذاب ربهم، واعترض بقوله: إن عذاب ربهم غير مأمون أي: لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الطاعة والاجتهاد أن يأمنه. وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء. قرئ: "بشهادتهم" "وبشهاداتهم" والشهادة من جملة الأمانات. وخصها من بينها إبانة لفضلها، لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها. وفي زيها: تضييعها وإبطالها.