مكية، وآياتها 8 نزلت بعد [الكوثر]
بسم الله الرحمن الرحيم
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
ألهاه عن كذا وأقهاه: إذا شغله. و "التكاثر" التباري في الكثرة والتباهي بها، وأن يقول هؤلاء: نحن أكثر، وهؤلاء: نحن أكثر. روي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا، فكثرهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات، فكثرتهم بنو سهم . والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات: عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكما بهم. وقيل: كانوا يزورون المقابر فيقولون: هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان عند تفاخرهم. والمعنى: ألهاكم ذلك وهو مما لا يعينكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعينكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم. أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم. منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت لا هم لكم غيرها، عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم. وزيارة القبور: عبارة عن الموت. قال [من الرجز]:
لن يخلص العام خليل عشرا ذاق الضماد أو يزور القبرا
[ ص: 425 ] وقال [من المتقارب]:زار القبور أبو مالك فأصبح ألأم زوارها
عين اليقين أي: الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته. ويجوز أن يراد بالرؤية: العلم والإبصار عن النعيم عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه. فإن قلت: ما النعيم الذي يسأل عنه الإنسان ويعاتب عليه؟ فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت: [ ص: 426 ] هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما; فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضا بالشكر: فهو من ذاك بمعزل; وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى: أنه أكل هو وأصحابه تمرا وشربوا عليه ماء فقال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين".
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ ألهاكم التكاثر لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا، وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية ".