مكية، وآياتها أربع
نزلت بعد [التين]
بسم الله الرحمن الرحيم
لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
لإيلاف قريش متعلق بقوله: "فليعبدوا" أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين. فإن قلت: فلم دخلت الفاء؟ قلت: لما في الكلام من معنى الشرط؛ لأن المعنى: إما لا فليعبدوه لإيلافهم، على معنى: أن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة. وقيل: المعنى: عجبوا لإيلاف قريش . وقيل: هو متعلق بما قبله، أي: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين في الشعر: وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلا به، وهما في مصحف سورة واحدة، بلا فصل. وعن أبي : أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب. وقرأ في الأولى: [والتين]. والمعنى أنه أهلك عمر الحبشة الذين قصدوهم [ ص: 436 ] ليتسامع الناس بذلك، فيتهيبوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتهم، فلا يجترئ أحد عليهم، وكانت لقريش رحلتان; يرحلون في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم، والإيلاف من قولك: آلفت المكان أولفه إيلافا: إذا ألفته، فأنا مألف. قال: [من الطويل]:
.............. من المؤلفات الرهو غير الأوارك
وقرئ: "لئلاف قريش"، أي: لمؤالفة قريش . وقيل: يقال: ألفته إلفا وإلافا. وقرأ : "لإلف قريش"، وقد جمعهما من قال [من الوافر]: أبو جعفر
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشا
كلوا في بعض بطنكم ......
وقرئ: "رحلة" بالضم: وهي الجهة التي يرحل إليها: والتنكير في "جوع" و "خوف" لشدتهما، يعني: أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، [ ص: 438 ] وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: كانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل: ذلك كله بدعاء إبراهيم صلوات الله عليه. ومن بدع التفاسير: وآمنهم من خوف، من أن تكون الخلافة في غيرهم. وقرئ: من خوف بإخفاء النون.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة [لإيلاف قريش] أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها ".