[ ص: 450 ] سورة النصر نزلت بمنى في حجة الوداع، فتعد مدنية، وهي آخر ما نزل من السور، وآياتها ثلاث نزلت بعد [التوبة].
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
إذا جاء منصوب بسبح، وهو لما يستقبل. والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة. روي أنها نزلت في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع. فإن قلت: ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف عليه؟ قلت: النصر الإغاثة والإظهار على العدو. ومنه: نصر الله الأرض غاثها. والفتح: فتح البلاد، والمعنى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب أو على قريش وفتح مكة . وقيل: جنس نصر الله للمؤمنين وفتح بلاد الشرك عليهم. وكان لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف من فتح مكة المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم خرج إلى هوازن ، وحين دخلها وقف على باب الكعبة، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده [ ص: 451 ] ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم قال: يا أهل مكة ، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا؛ أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئا، فلذلك سمى أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الإسلام في دين الله في ملة الإسلام التي لا دين له يضاف إليه غيرها؛ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [آل عمران: 85]. "أفواجا" جماعات كثيفة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين. وعن - رضي الله عنه -: أنه بكى ذات يوم، فقيل له. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دخل 2 الناس في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا" وقيل: أراد بالناس أهل اليمن. وقال جابر بن عبد الله : أبو هريرة اليمن : قوم رقيقة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية " وقال: " لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل أجد نفير ربكم من قبل [ ص: 452 ] اليمن ". وعن : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن مكة أقبلت العرب بعضها على بعض، فقالوا: أما إذ ظفر بأهل الحرم فليس به يدان، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل وعن كل من أرادهم، فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجا من غير قتال. وقرأ : فتح الله والنصر. وقرئ: "يدخلون" على البناء للمفعول. فإن قلت: ما محل يدخلون؟ قلت: النصب إما على الحال، على أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت. أو هو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت. ابن عباس
فسبح بحمد ربك فقل: سبحان الله: حامدا له، أي: فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم، واحمده على صنعه. أو: فاذكره مسبحا حامدا، زيادة في عبادته والثناء عليه، لزيادة إنعامه عليك. أو فصل له. روت : أم هانئ . وعن أنه لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثماني ركعات : عائشة "، والأمر بالاستغفار مع التسبيح [ ص: 453 ] تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين: من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية، ليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته، ولأن كان عليه الصلاة والسلام يكثر قبل موته أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك وهضم النفس، فهو عبادة في نفسه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " الاستغفار من التواضع لله " وروي: إني لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة أنه لما قرأها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه استبشروا وبكى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا عم"؟ قال: نعيت إليك نفسك. قال: "إنها لكما تقول" فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكا مستبشرا، وقيل: إن العباس هو الذي قال ذلك; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أوتي هذا الغلام علما كثيرا" ابن عباس وروي: - رضي الله عنه -، فقال: فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا. أبو بكر وعن أنها لما نزلت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء الله، فعلم أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يدنيه ويأذن له مع أهل بدر، فقال عمر : أتأذن لهذا الفتى معنا وفي آبائنا من هو مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم. قال عبد الرحمن : فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن قول الله تعالى: ابن عباس إذا جاء نصر الله ولا أراه سألهم إلا من أجلي; فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه; فقلت: ليس كذلك، ولكن نعيت إليه نفسه; فقال : ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم، ثم قال: كيف تلومونني عليه بعدما ترون؟ [ ص: 454 ] وعن النبي صلى الله عليه وسلم": عمر - رضي الله عنها - فقال: "يا بنتاه، إنه نعيت إلي نفسي"، فبكت، فقال: "لا تبكي، فإنك أول أهلي لحوقا بي". فاطمة وعن أنه دعا أن هذه السورة تسمى سورة التوديع. ابن مسعود
"كان توابا" أي: كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة إذا جاء نصر الله أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد يوم فتح مكة ".