مكية، وقيل: مدنية، وآياتها أربع
نزلت بعد [الناس]
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
هو ضمير الشأن، و "الله أحد" هو الشأن، كقولك: هو زيد منطلق، كأنه قيل: الشأن هذا، وهو أن الله واحد لا ثاني له. فإن قلت: ما محل هو؟ قلت: الرفع على الابتداء والخبر الجملة. فإن قلت: فالجملة الواقعة خبرا لا بد فيها من راجع إلى المبتدإ، فأين الراجع؟ قلت: حكم هذه الجملة حكم المفرد في قولك: "زيد غلامك" في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله: الله أحد هو الشأن الذي هو عبارة عنه، وليس كذلك "زيد أبوه منطلق" فإن زيدا والجملة يدلان على معنيين مختلفين، فلا بد مما يصل بينهما. وعن : قالت ابن عباس قريش : يا محمد ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه، فنزلت: يعني: الذي سألتموني وصفه هو الله، أحد: بدل من قوله، "الله". أو على: هو أحد، وهو بمعنى واحد، وأصله وحد. وقرأ عبد الله وأبي: "هو الله أحد" بغير "قل" وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحد" بغير "قل هو" وقال من قرأ: الله أحد، كان بعدل القرآن. وقرأ : "قل هو الله الواحد". وقرئ: "أحد الله" بغير تنوين، أسقط لملاقاته لام التعريف. ونحوه [من المتقارب]: الأعمش
..................... ولا ذاكر الله إلا قليلا
[ ص: 461 ] والجيد هو التنوين، وكسره لالتقاء الساكنين. و "الصمد" فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه، وهو الغني عنهم.
لم يلد لأنه لا يجانس، حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. وقد دل على هذا المعنى بقوله: أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة [الأنعام: 101].
ولم يولد لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده وليس بجسم ولم يكافئه أحد، أي: لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، نفيا للصاحبة: سألوه أن يصفه لهم، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته، فقوله: هو الله إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها، وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم; لأن الخلق يستدعي القدرة والعلم، لكونه واقعا على غاية إحكام واتساق وانتظام. وفي ذلك وصفه بأنه حي سميع بصير. وقوله: "أحد" وصف بالوحدانية ونفي الشركاء. وقوله: "الصمد" وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه: فهو غني. وفي كونه غنيا مع كونه عالما: أنه عدل غير فاعل للقبائح، لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه. وقوله: ولم يولد وصف بالقدم والأولية. وقوله: "لم يلد" نفي للشبه والمجانسة. وقوله: ولم يكن له كفوا أحد تقرير لذلك وبت للحكم به، فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص على ذلك في كتابه، فما باله مقدما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه; وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأجراه. وقرئ: "كفؤا" بضم الكاف والفاء. وبضم [ ص: 462 ] الكاف وكسرها مع سكون الفاء: فإن قلت: لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر منها وتقارب طرفيها؟ قلت: لأمر ما يسود من يسود، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وكفى دليلا من اعتراف بفضلها وصدق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: إن علم التوحيد من الله تعالى بمكان، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم: يشرف بشرفه، ويتضع بضعته; ومعلوم هذا العلم هو الله تعالى وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله، وإنافته على كل علم، واستيلائه على قصب السبق دونه; ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه، وقلة تعظيمه له، وخلوه من خشيته، وبعده من النظر لعاقبته. اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين [ ص: 463 ] لك، القائلين بعدلك وتوحيدك، الخائفين من وعيدك. وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين، وروى سيبويه أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " وأنس أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد " يعني ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". أنه سمع رجلا يقرأ: قل هو الله أحد فقال: "وجبت". قيل: يا رسول الله وما وجبت؟ قال: "وجبت له الجنة