قرئ "يدرككم" بالرفع وقيل : هو على حذف الفاء ، كأنه قيل : فيدرككم الموت ، وشبه بقول القائل [من البسيط] :
من يفعل الحسنات الله يشكرها
[ ص: 112 ] ويجوز أن يقال : حمل على ما يقع موقع : أينما تكونوا ، وهو أينما كنتم ، كما حمل "ولا ناعب" على ما يقع موقع "ليسوا مصلحين" وهو ليسوا بمصلحين ، فرفع كما رفع زهير [من البسيط] :
يقول : لا غائب مالي ولا حرم
[ ص: 113 ] وهو قول نحوي سيبوي ، ويجوز أن يتصل بقوله : ولا تظلمون فتيلا أي : ولا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم . أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ قوله : يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة والوقوف على هذا الوجه على "أينما تكونوا" .
والبروج : الحصون . مشيدة مرفعة ، وقرئ "مشيدة" من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص ، وقرأ نعيم بن ميسرة "مشيدة" بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا كما قالوا : قصيدة شاعرة ، وإنما الشاعر قارضها . السيئة تقع على البلية والمعصية ، والحسنة على النعمة والطاعة . قال الله تعالى : وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون [الأعراف : 168] وقال : إن الحسنات يذهبن السيئات [هود : 114] ، والمعنى : وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله ، وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها إليك وقالوا : هي من عندك ، وما كانت إلا بشؤمك ، كما حكى الله عن قوم موسى : وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف : 131] وعن قوم صالح : قالوا اطيرنا بك وبمن معك [النمل : 47] وروي عن اليهود - لعنت - أنها تشاءمت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ، فرد الله عليهم قل كل من عند الله : يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح لا يكادون يفقهون حديثا : فيعلموا أن الله هو الباسط القابض ، وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب ثم قال ما أصابك يا إنسان خطابا عاما من حسنة أي : من نعمة وإحسان فمن الله : تفضلا [ ص: 114 ] منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا وما أصابك من سيئة أي : من بلية ومصيبة فمن نفسك لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى : 30] وعن - رضي الله عنها - : ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب ، حتى الشوكة يشاكها ، وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب ، وما يعفو الله أكثر عائشة وأرسلناك للناس رسولا أي : رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم ، أنت رسول العرب والعجم ، كقوله : وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ : 28] قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [الأعراف : 158] وكفى بالله شهيدا على ذلك ، فما ينبغي لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك .