يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا
فتبينوا وقرئ : "فتثبتوا" ، وهما التفعل بمعنى الاستفعال . أي : اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية ، وقرئ : "السلم" ، و “ السلام" وهما الاستسلام ، وقيل : الإسلام ، وقيل : التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام لست مؤمنا وقرئ : "مؤمنا" بفتح الميم من آمنه ، أي : لا نؤمنك ، وأصله : أن مرداس بن نهيك رجلا من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليها غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد ، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله واستاق غنمه ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدا شديدا وقال : "قتلتموه إرادة ما معه" ثم قرأ الآية على أسامة بن زيد فقال : يا رسول الله استغفر لي قال : "فكيف بلا إله إلا الله" قال أسامة ، فما زال يعيدها حتى وددت أن لم أكن [ ص: 132 ] أسلمت إلا يومئذ ، ثم استغفر لي وقال : "أعتق رقبة" أسامة : تبتغون عرض الحياة الدنيا : تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاذ ، فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه فعند الله مغانم كثيرة يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله كذلك كنتم من قبل أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة ، فحصنت دماؤكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم فمن الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم ، وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة ، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية ، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله وقوله : فتبينوا تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم إن الله كان بما تعملون خبيرا : فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك .