وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا
الضرب في الأرض : هو السفر ، وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبي حنيفة : مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن سير الإبل ومشي الأقدام على القصد ، ولا اعتبار بإبطاء الضارب وإسراعه . فلو سار مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن في يوم ، قصر ، ولو سار مسيرة يوم في ثلاثة أيام ، لم يقصر ، وعند الشافعي أدنى مدة السفر أربعة برد مسيرة يومين ، وقوله فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة : ظاهرة التخيير بين القصر والإتمام ، وأن الإتمام أفضل ، وإلى التخيير ذهب الشافعي ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر ، [ ص: 141 ] وعن عائشة - رضي الله عنها - : اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، قصرت وأتممت ، وصمت وأفطرت . فقال : "أحسنت يا عائشة وما عاب علي" ، وكان عثمان - رضي الله عنه - يتم ويقصر ، وعند أبي حنيفة - رحمه الله - : القصر في السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره ، وعن عمر - رضي الله عنه - : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ، وعن عائشة رضي الله عنها : أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين ، [ ص: 142 ] فأقرت في السفر ، وزيدت في الحضر . فإن قلت : فما تصنع بقوله : فليس عليكم جناح أن تقصروا : ؟ قلت : كأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه ، وقرئ : "تقصروا" من أقصر ، وجاء في الحديث إقصار الخطبة ، بمعنى تقصيرها ، وقرأ الزهري "تقصروا" بالتشديد ، والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة ، وهو قوله : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وأما في حال الأمن فبالسنة ، وفي قراءة عبد الله : "من الصلاة أن يفتنكم" ليس فيها إن خفتم على أنه مفعول له ، بمعنى : كراهة أن يفتنكم ، والمراد بالفتنة : القتال والتعرض بما يكره .


