"القرية": بيت المقدس، وقيل: أريحاء من قرى الشام، أمروا بدخولها بعد التيه، "الباب": باب القرية، وقيل: هو باب القبة التي كانوا يصلون إليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى - عليه الصلاة والسلام - أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا، وقيل: "السجود": أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين؛ ليكون دخولهم بخشوع وإخبات، وقيل: طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوها، ودخلوا متزحفين على أوراكهم "حطة": فعلة من الحط كالجلسة والركبة، وهي خبر مبتدأ محذوف، أي مسألتنا حطة، أو أمرك حطة، والأصل: النصب بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات، كقوله [من الرجز]:
صبر جميل فكلانا مبتلى!
والأصل: صبرا، على اصبر صبرا، وقرأ بالنصب على الأصل، وقيل: معناه: أمرنا حطة، أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها. ابن أبي عبلة
فإن قلت: هل يجوز أن تنصب (حطة) في قراءة من نصبها بـ"قولوا" على معنى: قولوا هذه الكلمة؟ قلت: لا يبعد، والأجود أن تنصب بإضمار فعلها، وينتصب محل ذلك المضمر بـ"قولوا"، وقرئ: (يغفر لكم): على البناء للمفعول بالياء والتاء، وسنزيد المحسنين : أي من كان محسنا منكم، كانت تلك الكلمة سببا في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة، فبدل الذين ظلموا أي: وضعوا مكان (حطة) "قولا": غيرها، يعني: أنهم أمروا [ ص: 273 ] بقول معناه التوبة والاستغفار، فخالفوه إلى قول ليس معناه ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر; لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به، كما لو قالوا مكان (حطة): نستغفرك ونتوب إليك، أو اللهم اعف عنا، وما أشبه ذلك، وقيل: قالوا مكان (حطة): حنطة، وقيل: قالوا بالنبطية: "حطا سمقاثا"، أي: حنطة حمراء، استهزاء منهم بما قيل لهم، وعدولا عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا، وفي تكرير: ( الذين ظلموا ) : زيادة في تقبيح أمرهم، وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم، وقد [ ص: 274 ] جاء في سورة الأعراف: فأرسلنا عليهم [الأعراف: 133] على الإضمار، والرجز: العذاب، وقرئ -بضم الراء- وروي أنه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفا، وقيل: سبعون ألفا.