وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور
وإذ يريكموهم : الضميران مفعولان ، يعني : وإذ يبصركم إياهم ، و "قليلا" : نصب على الحال ; وإنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا ، قال - رضي الله عنه - : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم؟ قال : ألفا ابن مسعود ويقللكم في أعينهم : حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور .
[ ص: 587 ] فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم؟
قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ليجترئوا عليهم ; قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ، ويهابوا ، وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم ; وذلك قوله : يرونهم مثليهم رأي العين [آل عمران : 13] ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أولا وكثرتهم آخرا .
فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلا؟
قلت : بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير ، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين ، قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الواحد اثنين ، وكان بين يديه ديك واحد فقال : ما لي لا أرى هذين الديكين أربعة؟