إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
فإن قلت: "رضوا" ما موقعه ؟ [ ص: 82 ] قلت: هو استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا بالدناءة، والضعة، والانتظام في جملة الخوالف، وطبع الله على قلوبهم : يعني أن السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة وخذلان الله تعالى إياهم .
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون قوله: قلت لا أجد : استئنافا مثله، كأنه قيل: إذا ما أتوك لتحملهم تولوا، فقيل: ما لهم تولوا باكين؟ فقيل: قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض، قلت : نعم ويحسن، لن نؤمن لكم : علة للنهي عن الاعتذار; لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب وجب عليه الإخلال، وقوله: قد نبأنا الله من أخباركم : علة لانتفاء تصديقهم; لأن الله -عز وجل- إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وأحوالهم وما في ضمائرهم من الشر والفساد، لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم، وسيرى الله عملكم : أتنيبون أم تثبتون على كفركم، ثم تردون : إليه وهو عالم كل غيب وشهادة وسر وعلانية، فيجازيكم على حسب ذلك .