ونادى نوح ربه وأراد نداءه بدليل عطف قوله : فقال رب إن ابني من أهلي فإنه النداء . وإن وعدك الحق وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف ، وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله ، أو فما له لم ينج ، ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه . وأنت أحكم الحاكمين لأنك أعلمهم وأعدلهم ، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع .
قال يا نوح إنه ليس من أهلك لقطع الولاية بين المؤمن والكافر وأشار إليه بقوله : إنه عمل غير صالح فإنه تعليل لنفي كونه من أهله ، وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة :
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت . . . فإنما هي إقبال وإدبار
ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحا بالمناقضة بين وصفيهما وانتفاء ما أوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه . وقرأ الكسائي ويعقوب إنه عمل غير صالح أي عمل عملا غير صالح . فلا تسألني ما ليس لك به علم ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك ، وإنما سمي نداءه سؤالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه [ ص: 137 ] في شأن ولده أو استفسار المانع للنجاز في حقه ، وإنما سماه جهلا وزجر عنه بقوله : إني أعظك أن تكون من الجاهلين لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال وأغناه عن السؤال ، لكن أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر . وقرأ بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك ابن كثير نافع غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ، ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن وابن عامر برواية نافع رويس إثباتها في الوصل .