[ ص: 162 ] فلما سمعت بمكرهن باغتيابهن ، وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره ، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها . أرسلت إليهن تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات . وأعتدت لهن متكأ ما يتكئن عليه من الوسائد . وآتت كل واحدة منهن سكينا حتى يتكئن والسكاكين بأيديهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة ، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر . وقيل متكأ طعاما أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفا ولذلك نهي عنه . قال جميل :
فظللنا بنعمة واتكأنا . . . وشربنا الحلال من قلله
وقيل المتكأ طعام يحز حزا كأن القاطع يتكئ عليه بالسكين . وقرئ « متكا » بحذف الهمزة و « متكاء » بإشباع الفتحة كمنتزاح و « متكا » وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و « متكأ » من تكئ يتكأ إذا اتكأ . وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه عظمنه وهبن حسنه الفائق .وعن النبي صلى الله عليه وسلم « يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر » وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران . وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض ، والهاء ضمير للمصدر أو رأيت ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال : المتنبي
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع . . . فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
وقرئ « حاش الله » بغير لام بمعنى براءة الله ، و « حاشا لله » بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر . وقيل « حاشا » فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية الله مما يتوهم فيه . ما هذا بشرا لأن هذا الجمال غير معهود للبشر ، وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال .
وقرئ « بشر » بالرفع على لغة تميم و « بشرى » أي بعبد مشترى لئيم . إن هذا إلا ملك كريم فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة ، أو لأن جماله فوق جمال البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك .