ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون
[ ص: 201 ] ربنا إني أسكنت من ذريتي أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم . بواد غير ذي زرع يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت . عند بيتك المحرم الذي حرمت التعرض له والتهاون به ، أو لم يزل معظما ممنعا يهابه الجبابرة ، أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقا أي أعتق منه . ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما سيؤول إليه .
روي أن هاجر كانت لسارة رضي الله عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام ، فغارت عليهما فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله عين زمزم ، ثم إن جرهم رأوا ثم طيورا فقالوا لا طير إلا على الماء ، فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت .
ربنا ليقيموا الصلاة اللام لام كي وهي متعلقة بـ أسكنت أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم .
وتكرير النداء وتوسيطه للشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة ، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها .
وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها . فاجعل أفئدة من الناس أي أفئدة من أفئدة الناس ، و من للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى ، أو للابتداء كقولك : القلب مني سقيم أي أفئدة ناس . وقرأ « أفئيدة » بخلف عنه بياء بعد الهمزة . وقرئ « آفدة » وهو يحتمل أن يكون مقلوب « أفئدة » كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم « وأفدة » بطرح الهمزة للتخفيف ، وإن كان الوجه فيه إخراجها بين بين ويجوز أن يكون من أفد . هشام تهوي إليهم تسرع إليهم شوقا وودادا . وقرئ « تهوى » على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و « تهوى » من هوى يهوي إذا أحب ، وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع . وارزقهم من الثمرات مع سكناهم واديا لا نبات فيه . لعلهم يشكرون تلك النعمة ، فأجاب الله عز وجل دعوته فجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد .