وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة قيل اسمهما أصرم وصريم ، واسم المقتول جيسور .
وكان تحته كنز لهما من ذهب وفضة ، روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق . وقيل من كتب العلم . وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه : عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ، [ ص: 291 ] وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله . وكان أبوهما صالحا تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه . قيل كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح . فأراد ربك أن يبلغا أشدهما أي الحلم وكمال الرأي . ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك مرحومين من ربك ، ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة . وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك ، ولعل إسناد الإرادة أولا إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانيا إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله ، وثالثا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين . أو لأن الأول في نفسه شر ، والثالث خير ، والثاني ممتزج . أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط . وما فعلته وما فعلت ما رأيته . عن أمري عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل ، ومبني ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما ، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة . ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا .
ومن فوائد هذه القصة أن ، فلعل فيه سرا لا يعرفه ، وأن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه ، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه . يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم