يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء، وكان لأحدهما طول على الآخر، فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد [ ص: 122 ] والذكر بالأنثى. فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت، وأمرهم أن يتباوءوا. ولا تدل على أن لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى، كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم وقد بينا ما كان الغرض وإنما منع مالك رضي الله تعالى عنهما والشافعي سواء كان عبده أو عبد غيره، لما روي عن قتل الحر بالعبد رضي الله تعالى عنه: علي أن رجلا قتل عبده فجلده الرسول صلى الله عليه وسلم ونفاه سنة ولم يقده به.
وروي عنه أنه قال: من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد.
ولأن أبا بكر رضي الله تعالى عنهما، كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة من غير نكير. وعمر
وللقياس على الأطراف، ومن سلم دلالته فليس له دعوى نسخه بقوله تعالى: النفس بالنفس لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. واحتجت الحنفية به على أن مقتضى العمد القود وحده، وهو ضعيف إذ الواجب على التخيير يصدق عليه أنه وجب وكتب، ولذلك قيل التخيير بين الواجب وغيره ليس نسخا لوجوبه. وقرئ « كتب » على البناء للفاعل و « القصاص » بالنصب، وكذلك كل فعل جاء في القرآن. فمن عفي له من أخيه شيء أي شيء من العفو، لأن عفا لازم. وفائدته الإشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص. وقيل عفا بمعنى ترك، وشيء مفعول به وهو ضعيف، إذ لم يثبت عفا الشيء بمعنى تركه بل أعفاه. وعفا يعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب، قال الله تعالى عفا الله عنك وقال عفا الله عما سلف . فإذا عدي به إلى الذنب عدي إلى الجاني باللام وعليه ما في الآية كأنه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني ولي الدم. وذكره بلفظ الإخوة الثابتة بينهما من الجنسية والإسلام ليرق له ويعطف عليه. فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان أي فليكن اتباع، أو فالأمر اتباع. والمراد به وصية العافي بأن يطلب الدية بالمعروف فلا يعنف، والمعفو عنه بأن يؤديها بالإحسان: وهو أن لا يمطل ولا يبخس. وفيه دليل على أن وإلا لما رتب الأمر بأدائها على مطلق العفو. الدية أحد مقتضى العمد، رضي الله تعالى عنه في المسألة قولان. وللشافعي ذلك أي الحكم المذكور في العفو والدية. تخفيف من ربكم ورحمة لما فيه من التسهيل والنفع، قيل كتب على اليهود القصاص وحده، وعلى النصارى العفو مطلقا. وخيرت هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم وتقديرا للحكم على حسب مراتبهم. فمن اعتدى بعد ذلك أي فله عذاب أليم في الآخرة. وقيل في الدنيا بأن يقتل لا محالة لقوله عليه السلام « قتل بعد العفو وأخذ الدية. لا أعافي أحدا قتل بعد أخذه الدية »