ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا
( ألم تر إلى ربك ) ألم تنظر إلى صنعه . ( كيف مد الظل ) كيف بسطه أو ألم تنظر إلى الظل كيف مده ربك ، فغير النظم إشعارا بأنه المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه ، أو ألم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل وهو فيما بين طلوع الفجر والشمس وهو أطيب الأحوال ، فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس : يسخن الجو ويبهر البصر ، ولذلك وصف به الجنة فقال وظل ممدود) . ( ولو شاء لجعله ساكنا ) ثابتا من السكنى أو غير متقلص من السكون بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد . ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الأجرام ، أو لا يوجد ولا يتفاوت إلا بسبب حركتها .
( ثم قبضناه إلينا ) أي أزلناه بإيقاع الشمس موقعه لما عبر عن أحداثه بالمد بمعنى التسيير عبر عن إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف . ( قبضا يسيرا ) قليلا قليلا حسبما ترتفع الشمس لينتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق ، و ( ثم ) في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادئ أوقات ظهورها ، وقيل ( مد الظل ) لما بنى السماء بلا نير ، ودحا الأرض تحتها فألقت عليها ظلها ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحالة ، ثم خلق الشمس عليه دليلا ، أي مسلطا عليه مستتبعا إياه كما يستتبع الدليل المدلول ، أو دليل الطريق من يهديه فإنه يتفاوت بحركتها ويتحول بتحولها ، ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) شيئا فشيئا إلى أن تنتهي غاية نقصانه ، أو قبضا سهلا عند قيام الساعة بقبض أسبابه من الأجرام المظلة والمظل عليها .