قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل
( قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) من الجاهلين وقد قرئ به ، والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه ، أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله ، أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب ، أو الناسين من قوله تعالى : ( أن تضل إحداهما ) .
( ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما ) حكمة . ( وجعلني من المرسلين ) رد أولا بذلك ما وبخه به قدحا في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقا غير قادح في دعواه ، بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لكونه مسببا عنها فقال :
( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ) أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهرا ، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم ، فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك . وقيل إنه مقدر بهمزة الإنكار أي أوتلك نعمة تمنها علي وهي ( أن عبدت ) ، ومحل ( أن عبدت ) الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل ( نعمة ) أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها . وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء [ ص: 136 ]
مبهمة و ( أن عبدت ) عطف بيانها والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي ، وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده ، والخوف والفرار منه ومن ملئه .