وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب
( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) خلقا باطلا لا حكمة فيه، أو ذوي باطل بمعنى مبطلين عابثين كقوله: ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) أو للباطل الذي هو متابعة الهوى، بل للحق الذي هو مقتضى الدليل من التوحيد والتدرع بالشرع كقوله: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) على وضعه موضع المصدر مثل هنيئا ( ذلك ظن الذين كفروا ) الإشارة إلى خلقها باطلا والظن بمعنى المظنون.
( فويل للذين كفروا من النار ) بسبب هذا الظن.
( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ) ( أم ) منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلا ليدل على نفيه وكذا التي في قوله: ( أم نجعل المتقين كالفجار ) كأنه أنكر التسوية أولا بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم، ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم، والآية تدل على صحة فإن التفاضل بينهما إما أن يكون في الدنيا والغالب فيها عكس ما يقتضي الحكمة فيه، أو في غيرها وذلك يستدعي أن يكون لهم حالة أخرى يجازون فيها. القول بالحشر،
( كتاب أنزلناه إليك مبارك ) نفاع، وقرئ بالنصب على الحال. ( ليدبروا آياته ) ليتفكروا فيها فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة. وقرئ «ليتدبروا» على الأصل و«لتدبروا» أي أنت وعلماء أمتك. ( وليتذكر أولو الألباب ) وليتعظ به ذوو العقول السليمة، أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل، فإن الكتب الإلهية بيان لما لا يعرف إلا من الشرع، وإرشاد إلى ما يستقل به العقل، ولعل التدبر للمعلوم الأول والتذكر الثاني.