فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم
. [ ص: 120 ] فإذا لقيتم الذين كفروا في المحاربة. فضرب الرقاب أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر، وأنيب منابه مضافا إلى المفعول ضما إلى التأكيد والاختصار. والتعبير به عن القتل إشعارا بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة. حتى إذا أثخنتموهم أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ. فشدوا الوثاق فأسروهم واحفظوهم، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به. فإما منا بعد وإما فداء أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء، والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإطلاق وبين أخذ الفداء، وهو ثابت عندنا فإن والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإمام بين القتل والمن والفداء، بدر فإنهم قالوا: يتعين القتل أو الاسترقاق. وقرئ «فدا» كعصا. حتى تضع الحرب أوزارها آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. وقيل: آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيها حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل: بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك أي الأمر ذلك، أو افعلوا بهم ذلك. ولو يشاء الله لانتصر منهم لا لانتقم منهم بالاستئصال. ولكن ليبلو بعضكم ببعض ولكن أمركم بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر. والذين قتلوا في سبيل الله أي جاهدوا، وقرأ البصريان وحفص قتلوا أي استشهدوا. فلن يضل أعمالهم فلن يضيعها، وقرئ «يضل» من ضل و «يضل» على البناء للمفعول.
سيهديهم إلى الثواب، أو سيثبت هدايتهم. ويصلح بالهم
ويدخلهم الجنة عرفها لهم وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به، أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق، أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة، أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة.