يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر، والقوم مختص بالرجال لأنه إما مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور، والقيام بالأمور وظيفة الرجال كما قال تعالى: الرجال قوامون على النساء وحيث فسر بالقبيلين كقوم عاد وفرعون، فإما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال على ذكرهن لأنهن توابع، واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع وعسى باسمها استئناف بالعلة الموجبة للنهي ولا خبر لها لإغناء الاسم عنه. وقرئ «عسوا أن يكونوا» و «عسين أن يكن» فهي على هذا ذات خبر. ولا تلمزوا أنفسكم أي ولا يغتب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة، أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه. واللمز الطعن باللسان. وقرأ بالضم. يعقوب ولا تنابزوا بالألقاب ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء، فإن النبز مختص بلقب السوء عرفا. بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الإيمان واشتهارهم به، والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين خصوصا إذ روي أن الآية نزلت في رضي الله عنها، صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين، فقال لها: «هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد عليهم السلام».
أو الدلالة على أن والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح. التنابز فسق ومن لم يتب عما نهي عنه. فأولئك هم الظالمون بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب.
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن كونوا منه على جانب، وإبهام الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل، فإن كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، من الظن ما يجب اتباعه كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين، وما يحرم كالظن في الأمور المعاشية. وما يباح إن بعض الظن إثم مستأنف للأمر، والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه. والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها. ولا تجسسوا ولا تبحثوا عن عورات المسلمين، تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس، وقرئ بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولذلك قيل للحواس الخمس: الجواس.
وفي الحديث: «لا تتبعوا عورات المسلمين، فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته».
ولا يغتب بعضكم بعضا ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته.
فقال: «أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». الغيبة وسئل عليه الصلاة والسلام عن
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر، وإسناد الفعل إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وميتا وتعقيب ذلك بقوله: فكرهتموه تقريرا وتحقيقا لذلك. والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار كراهته، وانتصاب ميتا على الحال من اللحم أو الأخ وشدده نافع. واتقوا الله إن الله تواب رحيم لمن اتقى ما نهي عنه وتاب مما فرط منه، والمبالغة في ال ( تواب ) لأنه بليغ في قبول التوبة إذ [ ص: 137 ] يجعل صاحبها كمن لم يذنب، أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم، روي: أن رجلين من الصحابة بعثا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغي لهما إداما، وكان سلمان على طعامه فقال: ما عندي شيء فأخبرهما أسامة فقالا: لو بعثناه إلى سلمان بئر سميحة لغار ماؤها، فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: «ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما» ، فقالا: ما تناولنا لحما، فقال: «إنكما قد اغتبتما» فنزلت.