صم بكم عمي لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا الآيات بأبصارهم، جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتفت قواهم كقوله:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وكقوله:
أصم عن الشيء الذي لا أريده... وأسمع خلق الله حين أريد
وإطلاقها عليهم على طريقة التمثيل لا الاستعارة إذ من شرطها أن يطوى ذكر المستعار له، بحيث يمكن حمل الكلام على المستعار منه لولا القرينة كقول زهير:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف... له لبد أظفاره لم تقلم
ومن ثم ترى المفلقين السحرة يضربون عن توهم التشبيه صفحا كما قال أبو تمام الطائي:
ويصعد حتى يظن الجهول... بأن له حاجة في السماء
وهاهنا وإن طوى ذكره بحذف المبتدأ لكنه في حكم المنطوق به، ونظيره:
أسد علي وفي الحروب نعامة... فتخاء تنفر من صفير الصافر
فهم لا يرجعون لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه. أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون، وإلى حيث ابتدءوا منه كيف يرجعون. والفاء للدلالة على أن اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم واحتباسهم.